فصل: تفسير الآية رقم (117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (110):

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)}
أي يعلم ما تقدّمهم من الأحوال وما يستقبلونه، ولا يحيطون بمعلوماته علماً.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)}
المراد بالوجوه وجوه العصاة، وأنهم إذا عاينوا- يوم القيامة- الخيبة والشقوة وسوء الحساب، صارت، وجوههم عانية، أي ذليلة خاشعة، مثل وجوه العناة وهم الأسارى. ونحوه قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيَّئَتْ وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ} [الملك: 27]، {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة: 24]. وقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ} وما بعده اعتراض، كقولك: خابوا وخسروا. وكلّ من ظلم فهو خائب خاسر.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}
الظلم: أن يأخذ من صاحبه فوق حقه. والهضم: أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه له، كصفة المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. أي: فلا يخاف جزاء ظلم ولا هضم، لأنه لم يظلم ولم يهضم. وقرئ: {فلا يخف} على النهي.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)}
{وكذلك} عطف على (كذلك نقص) أي: ومثل ذلك الإنزال، وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات المضمنة للوعيد أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة. مكرّرين فيه آيات الوعيد ليكونوا بحيث يراد منهم ترك المعاصي أو فعل الخير والطاعة. والذكر- كما ذكرنا- يطلق على الطاعة والعبادة. وقرئ {نحدث} و {تحدث} بالنون والتاء، أي: تحدث أنت. وسكن بعضهم الثاء للتخفيف، كما في:
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُستَحْقِبٍ ** إثماً مِنَ اللَّهِ وَلاَ وَاغِلِ

.تفسير الآية رقم (114):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
{فتعالى الله الملك الحق} استعظام له ولما يصرِّف عليه عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه على حسب أعمالهم، وغير ذلك مما يجري عليه أمر ملكوته ولما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد: وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن، فتأنّ عليك ريثما يسمعك ويفهمك. ثم أقبل عليه بالتحفظ بعد ذلك. ولا تكن قراءتك مساوقة لقراءته. ونحوه قوله تعالى: {لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] وقيل معناه: لا تبلغ ما كان منه مجملاً حتى يأتيك البيان. وقرئ: {حتى تقضى إليك وحيه}. وقوله تعالى: {رَّبّ زِدْنِى عِلْماً} متضمن للتواضع لله تعالى والشكر له عندماعلم من ترتيب التعلم، أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم وأدباً جميلاً ما كان عندي. فزدني علماً إلى علم، فإنّ لك في كل شيء، حكمة وعلماً. وقيل: ما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}
يقال في أوامر الملوك ووصاياهم: تقدّم الملك إلى فلان وأوعز إليه، وعزم عليه، وعهد إليه عطف الله سبحانه قصة آدم على قوله: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [طه: 113] والمعنى: وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها، وذلك من قبل وجودهم ومن قبل أن نتوعدهم، فخالف إلى ما نهي عنه، وتوعد في ارتكابه مخالفتهم، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون، كأنه يقول: إنّ أساس أمر بني آدم على ذلك، وعرقهم راسخ فيه.
فإن قلت: ما المراد بالنسيان؟ قلت يجوز أن يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر، وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة، ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس، حتى تولد من ذلك النسيان. وأن يراد الترك وأنه ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها. وقرئ {فنسى} أي: نساه الشيطان. العزم: التصميم والمضيّ على ترك الأكل، وأن يتصلب في ذلك تصلباً يؤيس الشيطان من التسويل له. والوجود: يجوز أن يكون بمعنى العلم، ومفعولاه {لَهُ عَزْماً} وأن يكون نقيض العدم كأنه قال: وعدمنا له عزماً.

.تفسير الآية رقم (116):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)}
{إِذْ} منصوب بمضمر، أي: واذكر وقت ما جرى عليه من معاداة إبليس ووسوسته إليه وتزيينه له الأكل من الشجرة، وطاعته له بعد ما تقدّمت معه النصيحة والموعظة البليغة والتحذير من كيده، حتى يتبين لك أنه لم يكن من أولي العزم والثبات.
فإن قلت: إبليس كان جنياً بدليل قوله تعالى: {كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} [الكهف: 50] فمن أين تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة؟ قلت كان في صحبتهم، وكان يعبد الله تعالى عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له، كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع، كما لو قام لمقبل على المجلس علية أهله وسراتهم، كان القيام على واحد بينهم هو دونهم في المنزلة أوجب، حتى إن لم يقم عنف.
وقيل له: قد قام فلان وفلان، فمن أنت حتى تترفع عن القيام؟ فإن قلت: فكيف صحّ استثناؤه وهو جني عن الملائكة؟ قلت: عمل على حكم التغليب في إطلاق اسم الملائكة عليهم وعليه، فأخرج الاستثناء على ذلك، كقولك: خرجوا إلا فلانة، لامرأة بين الرجال {أبى} جملة مستأنفة، كأنه جواب قائل قال: لم لم يسجد؟ والوجه أن لا يقدّر له مفعول، وهو السجود المدلول عليه بقوله: {فَسَجَدُواْ} وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف وتثبط.

.تفسير الآية رقم (117):

{فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}
{فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا} فلا يكونن سبباً لإخراجكما. وإنما أسند إلى آدم وحده فعل الشقاء دون حوّاء بعد إشراكهما في الخروج؛ لأنّ في ضمن شقاء الرجل وهو قيم أهله وأميرهم شقاءهم، كما أنّ في ضمن سعادته سعادتهم، فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها. مع المحافظة على الفاصلة. أو أريد بالشقاء التعب في طلب القوت، وذلك معصوب برأس الرجل وهو راجع إليه.
وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه.

.تفسير الآيات (118- 119):

{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)}
قرئ {وإنك} بالكسر والفتح. ووجه الفتح العطف على {أن لا تجوع}.
فإن قلت: إنّ لا تدخل على أن، فلا يقال: إنّ أن زيداً منطلق، والواو نائبة عن إنّ وقائمة مقامها فلم أدخلت عليها؟ قلت: الواو لم توضع لتكون أبداً نائبة عن إنّ، إنما هي نائبة عن كل عامل، فلما لم تكن حرفاً موضوعاً للتحقيق خاصة- كإن- لم يمتنع اجتماعهما كما امتنع اجتماع إنّ وأن.
الشبع والريّ والكسوة والكنّ: هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان، فذكره استجماعها له في الجنة، وأنه مكفيّ لا يحتاج إلى كفاية كاف ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا، وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعري والظمأ والضحو، ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها.

.تفسير الآية رقم (120):

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}
فإن قلت: كيف عدى وسوس تارة باللام في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20] وأخرى بإلى قلت: وسوسة الشيطان كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة، في أنها حكايات للأصوات وحكمها حكم صوت وأجرس. ومنه: وسوس المبرسم، وهو موسوس بالكسر. والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابي:
وَسْوَسَ يَدعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلَقْ

فإذا قلت: وسوس له، فمعناه لأجله، كقوله:
أَجرِسْ لَهَا يَا ابْنَ أَبي كِبَاشِ

ومعنى {وسوس إليه} أنهى إليه الوسوسة، كقولك. حدّث إليه وأسرّ إليه. أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود، لأن من أكل منها خلد بزعمه، كما قيل لحيزوم: فرس الحياة، لأنّ من باشر أثره حيي {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} دليل عى قراءة الحسن بن علي وابن عباس رضي الله عنهم: {إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: 20] بالكسر.

.تفسير الآية رقم (121):

{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)}
(طفق يفعل كذا) مثل: جعل يفعل، وأخذ، وأنشأ. وحكمها حكم كاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً، وبينها وبينه مسافة قصيرة هي للشروع في أوّل الأمر. وكاد لمشارفته والدنوّ منه. قرئ {يَخْصِفَانِ} للتكثير والتكرير، من خصف النعل وهو أن يخرز عليها الخصاف، أي: يلزقان الورق بسوآتهما للتستر وهو ورق التين.
وقيل كان مدوراً فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما.
وقيل كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع، عن ابن عباس: لا شبهة في أنّ آدم لم يمتثل ما رسم الله له، وتخطى فيه ساحة الطاعة، وذلك هو العصيان. ولما عصى خرج فعله من أن يكون فعلاً رشداً وخيراً، فكان غيا لا محالة؛ لأنّ الغي خلاف الرشد، ولكن قوله: {وعصى ءادَمُ رَبَّهُ فغوى} بهذا الإطلاق وبهذا التصريح، وحيث لم يقل: وزل آدم وأخطأ وما أشبه ذلك، مما يعبر به عن الزلات والفرطات: فيه لطف بالمكلفين ومزجرة بليغة وموعظة كافة، وكأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله الذي لا يجوز عليه إلا اقتراف الصغيرة غير المنفرة زلته بهذه الغلطة وبهذا اللفظ الشنيع، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيآت والصغائر، فضلاً أن تجسروا على التورّط في الكبائر.
وعن بعضهم (فغوى) فبشم من كثرة الأكل، وهذا- وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفاً فيقول في (فني، وبقي): (فنا، وبقا) وهم بنوطي- تفسير خبيث.

.تفسير الآية رقم (122):

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
فإن قلت: ما معنى {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ}؟ قلت: ثم قبله بعد التوبة وقرّبه إليه، من جبى إليّ كذا فاجتبيته. ونظيره: جليت عليّ العروس فاجتليتها. ومنه قوله عز وجل {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بآية قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} [الأعراف: 203] أي هلا جبيت إليك فاجتبيتها. وأصل الكلمة الجمع. ويقولون: اجتبت الفرس نفسها إذا اجتمعت نفسها راجعة بعد النفار. و{هُدًى} أي وفقه لحفظ التوبة وغيره. من أسباب العصمة والتقوى.

.تفسير الآية رقم (123):

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}
لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلي البشر، والسببين اللذين منها نشؤا وتفرعوا: جعلا كأنهما البشر في أنفسهما، فخوطبا مخاطبتهم، فقيل: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} على لفظ الجماعة. ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب، وهو في الحقيقة للمسبب {هُدًى} كتاب وشريعة.
وعن ابن عباس: ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا قوله: {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} والمعنى أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضلّ في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.

.تفسير الآيات (124- 126):

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}
الضنك: مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث. وقرئ: {ضنكى} على فعلى. ومعنى ذلك: أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته؛ فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح، وسهولة، فيعيش عيشاً رافعاً؛ كما قال عز وجل: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً} [النحل: 97] والمعرض عن الدين، مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك وحاله مظلمة، كما قال بعض المتصوّفة: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوّش عليه رزقه. ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة لكفره. قال الله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ الله ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله} [البقرة: 61] وقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة: 66] وقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض} [الأعراف: 96] وقال: {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} [نوح: 11] وقال: {وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقةلأسقيناهم مَّاء غَدَقاً} [الجن: 16] وعن الحسن: هو الضريع والزقوم في النار.
وعن أبي سعيد الخدري: (عذاب القبر) وقرئ {وَنَحْشُرُهُ} بالجزم عطفاً على محل {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} لأنه جواب الشرط. وقرئ: {ونحشره} بسكون الهاء على لفظ الوقف، وهذا مثل قوله: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} [الإسراء: 97] وكما فسر الزرق بالعمى {كذلك} أي مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة، فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر. وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.